الفرحة وهلال رمضان
http://www.islam-online.net/iol-arabic/ramadan/gif/atfal.jpgكلّ عام وأنتم بخير، رمضان كريم … تحية طيبة ودعاء جميل، أسمع أبي يردده كلما قابل صديقاً أو رجلاً يعرفه، وأسمع أمي، وهى تتبادل التهنئة مع جيراننا من السيدات.
فما أجمل هذا الشهر، شهر رمضان المبارك، الذي يستقبله المسلمون بالفرحة والسرور.
قبل أيام، تعاونت مع أصدقائي، فملأنا الشارع الذي نسكن فيه بالزينات الجميلة وبالفوانيس الملونة الرائعة.
هذا الشهر أُحبّه من أعماق قلبي، لأنه شهر الجود والمساعدة لكل محتاج وإطعام لكل مسكين، وفيه تملأ الشوارع موائد الرحمن، ويتراحم المسلمون، ويتعاونون فيصومون معًا، ويمسكون عن الطعام في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد، في صورة جميلة للمجتمع المسلم.
والصوم لا يكون بالامتناع عن الطعام والشراب فقط بل أيضًا بالامتناع عن فعل الشر وعن ارتكاب الذنوب والسيئات، والإكثار من فعل الخير، وشهر رمضان هو الشهر التاسع من السنة الهجرية، وسمي بذلك؛ لأنه يرمض الذنوب (أي يحرقها) بالأعمال الصالحة، وقد فرض الله - عز وجل - صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وهو شهر مبارك نزل فيه القرآن الكريم، وتُفتَّح فيه أبواب الجنة، وتغلَّق فيه أبواب النار، وتقيد فيه الشياطين، وينادى منادٍ كل ليلة : يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر .. وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
ولعظمة هذا الشهر الكريم، يستقبله الأطفال بالبهجة، وهذا الاستقبال قديم ، ففي مصر كانت رؤية هلال رمضان يصاحبها موكب جميل، وفى هذا الموكب السنوي كان أصحاب الحرف والصناعات يعدون عربات لكل حرفة .. وكان الكنفاني يظهر في أول الموكب ومعه فرن الكنافة الحقيقي محمولاً على عربة "كارو" كبيرة يجرها حصان، ويقوم بصنع الكنافة، ثم يأتي صناع الحرير وأمامهم الأنوال والمناسج، والنجارون ومعهم الخشب وأدوات النجارة، والقباقيبي يعرض القباقيب (أحذية خشبية) ويصنعها، والقصاب (الجزار)، والفطاطري والسماك والشرباتلي (صانع الشربات والعصائر)، والقهوجي وغيرهم .
وكان الموكب يخرج بعرباته من ميدان باب الخلق أمام محافظة القاهرة في زفة كبيرة وأمامه الموسيقات وخيالة البوليس التي تحوطه حتى يصل إلى ميدان القلعة ساعة الغروب، ثم تعلن رؤية الهلال، وتطلق المدافع من القلعة، وتزغرد النساء، ثم تسهر المدينة حتى السحور، وتصبح القاهرة شعلة من ضياء ونور، وتفتح الدكاكين وتعم الفرحة.
ولو عدنا إلى الوراء مئات السنين نجد أنه في سنة 155 هجرية خرج والي مصر عبدالرحمن بن عبدالله بن لهيعة ومعه الناس في موكب حافل بالزينات، وصعدوا إلى سطح جبل المقطم بالفسطاط القديمة في مكان كان يعرف بجامع محمود، وكان بجانبه مقعد على مكان مرتفع ويمكن منه مشاهدة هلال رمضان.
وبلغ موكب الرؤية أَوْجَهُ من الأبهة والجلال في عهد الفاطميين، حيث إن الخلفاء حرصوا على أداء شعائر الدين في العالم الإسلامي، وتتفق مع ما وصلت إليه دولتهم من ثراء وسلطان، فكان الخليفة الفاطمي يشترك بنفسه في الموكب ومعه كبار رجال الدولة وأرباب الحرف في البلاد تتقدمهم وحدات رمزية من الجيش، بينما يقوم الناس بتزيين الطريق الذي يسلكه الموكب بأشياء من تجارتهم، وسائر ألوان نشاطهم الاقتصادي التماساً لطلب البركة من هذه المناسبة الكريمة.
وقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول حين نرى الهلال: "اللهم أهلَّه علينا باليُمن والإيمان ، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله "[ الترمذي والدارمي ].
ويثبت شهر رمضان برؤية الهلال، أو إكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً قال النبي صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عده شعبان ثلاثين يوماً" [البخاري ومسلم]